خيال
عدد المساهمات : 5 التقيم : 0 تاريخ التسجيل : 13/08/2010
| موضوع: سَمَاءٌ حَمْرَاءُ فِي الصَّبَاحِ/ بَاتْرِيشْيَا هَامْبِلْ (الولايات المتحدة) تـ: حِلْمِي الريشة الجمعة أغسطس 13, 2010 7:03 am | |
| ...و في حياة أخرى
قَبْلَ سَنَوَاتٍ، وَفِي حَيَاةٍ أُخْرَى، اسْتَيْقَظْتُ لِأَنْظُرَ خَارِجَ النَّافِذَةِ المُلَطَّخَةِ لِحَافِلَةِ جْرِيهُونْدْ الَّتِي أَقَلَّتْنِي طَوَالَ اللَّيْلِ، وَفِي الصَّبَاحِ الصَّامِتِ المُعْتِمِ لِلنَّهْرِ الصَّغِيرِ لِبَلْدَةِ مِيسُورِي، حَيْثُ بَذَلَ السَّائِقُ وُقُوفًا حَسَبَ المُقَرَّرِ فِي مَطْعَمٍ مَكْسُوٍّ بِالسَّخَامِ يُشْبِهُ هذِهِ الْحَافِلَةَ، فَرَأَيْتُ أَسْفَلَ مِنِّي امْرَأَةً بَدِينَةً فِي مُنْتَصَفِ الْعُمْرِ، بِفُسْتَانٍ بَيْتِيٍّ مُزَهَّرٍ، وَقَدْ دَارَتْ وَقَبَّلَتْ شَابًّا كَالْإِلَهِ بِضَفَائِرَ ذَهَبِيَّةٍ مِنْ فَمِهِ. لكِنِّي أَخْطَأْتُ: كَانَ هُوَ مَنْ قَبَّلَهَا بِشَكْلٍ عَاطِفِيٍّ دُونِ اعْتِبَارٍ وَعَدَمِ تَفَهُّمٍ لِلْعَالَمِ. لَقَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ لِحُبِّهِ، وَهِيَ مُتَلَبِّدَةُ الْحِسِّ، وَرَزِينَةٌ، تَلَقَّتْ هذَا الْعِشْقَ مَعْ شُعُورٍ بَسِيطٍ بِالْعَظَمَةِ، كَتِمْثَالٍ اجْتِمَاعِيٍّ وَاقِعِيٍّ لِامْرَأَةٍ تَتَنَاوَلُ حُزَمًا مِنَ الْقَمْحِ.
أَعْمَارُهُمَا فَرَضَتْ أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ ابْنَهَا، لكِنِّي خَرَجْتُ لِتَوِّي مِنْ نِصْفِ نَوْمٍ مُكْتَظٍّ وَمُدَمَّرٍ لِلَيْلَةٍ فِي حَافِلَةِ جْرِيهُونْدْ وَكُنْتُ عَرَّافَةً: كَانَ ذلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي سُمِّيَ الْحُبُّ، وَثَمَّةَ ضَوْءُ الصَّبَاحِ المُتَصَدِّعِ كَالدَّمِ الْأَحْمَرِ عَلَى طُولِ النَّهْرِ.
بِالطَّبْعِ، عِنْدَمَا دَخَلَتِ المَرْأَةُ الْحَافِلَةَ بِتَثَاقُلٍ بَعْدَ لَحْظَةٍ، تَتَرَنَّحُ لِلْأَمَامِ بِكِيسَيْنِ مَنْفُوخَيْنِ، اخْتَارَتْ مَقْعَدًا فَارِغًا بِجِوَارِي. رَفَعَتْ أَحَدَ الْأَكْيَاسِ عَلَى الرَّفِّ، وَبَعْدَ ذلِكَ أَلْقَتْ بِثِقَلِهَا فِي المَقْعَدِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ تُسْتَخْدَمُ لِرَفْعِ أَكْيَاسٍ مِنَ الْبَطَاطَا عَلَى سَطْحِ شَاحِنَةٍ صَغِيرَةٍ، ثُمَّ وَضَعَتِ الْحَقِيبَةَ الْأُخْرَى فِي حِجْرِهَا، وَانْحَنَتْ نَحْوَ النَّافِذَةِ. الصَّبِيُّ الْجَمِيلُ يُرْسِلُ قُبَلًا فِي الْهَوَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرَى حَيْثُ إِنَّهَا فِي المَدْخَلِ المُعْتَمِ، لِذلِكَ كَانَ يُفَجِّرُ الْقُبَلَ صُعُودًا وَهُبُوطًا نَحْوَ الْحَافِلَةِ، وَيُحَدِّقُ بِحَمَاسَةٍ فِي فَرَاغِ النَّوَافِذِ. قَالَتِ المَرْأَةُ: "اسْمَحُوا لِي"؛ دُونَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيَّ، وَمُنْحَنِيَةٌ أَكْثَرَ، بِالْحَقِيبَةِ وَالْكُلِّ، لِتَطْرُقَ بِخِفَّةٍ عَلَى الزُّجَاجِ، وَصَبِيُّهَا الْجَمِيلُ يَرْكُضُ نَحْوَ نَافِذَتِنَا مُقَبِّلًا وَمُقَبَّلًا، وَمُعَانِقًا نَفْسَهُ أَخِيرًا، مُغْمِضًا عَيْنَيْهِ وَمُنْتَشِيًا مِنْ تَمْثِيلِيَّةِ الْحُبِّ الصَّامِتِ- الْحُبِّ- الجَمِيلِ، وَابْتَسَمَتْ مُلَوِّحَةً خَلْفًا.
بَعْدَ ذلِكَ تَحَرَّكَتِ الْحَافِلَةُ، وَسَقَطَتْ إِلَى الْوَرَاءِ فِي مَقْعَدِهَا، وَالْتَفَتُّ إِلَيْهَا. أَفْتَرِضُ أَنَّنِي نَظَرْتُ إِلَيْهَا نَظَرَاتٍ ثَابِتَةً، وَحِينَ الْتَقَتْ أَعْيُنُنَا قَالَتْ: "كُلُّ وَاحِدٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ ابْنِي. لكِنَّهُ لَا. إِنَّهُ زَوْجِي"، وَابْتَلَعَتْهَا. إِنَّهَا امْرَأَةٌ مُزَارِعَةٌ بِيَدَيْنِ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَا لِرَجَلٍ؛ لَقَدْ كُنْتُ طَالِبَةً جَامِعِيَّةً، بِشَعْرٍ مُنْسَابٍ إِلَى خَصْرِي. كَانَ هذَا مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ، كَمَا قُلْتُ، وَفِي حَيَاةٍ أُخْرَى، وَحَتَّى أَنَّهَا كَانَتْ حَيَاةً أُخْرَى لِلْبَلَدِ. إِنَّ الْوَقْتَ الَّذِي كُنَّا نَعِيشُ فِيهُ كَانَ حَرْبَ فِيتْنَامٍ، وَكُنْتُ مُسَافِرَةً، كَمَا كُنْتُ أَفْعَلُ كُلَّ ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ، لِزِيَارَةِ صَدِيقِي الَّذِي كَانَ فِي سِجْنٍ فِدْرَالِيٍّ. قَالَ أَخِي: إِنَّهُ (مَشْرُوعٌ مُرَاوِغٌ، وَمَشْرُوعٌ مُقَاوِمٌ)، وَإِنَّنِي تَقِيٌّ عَلَى نَحْوٍ دِينِيٍّ، لَمْ أَقْبَلِ الطَّرِيقَةَ الَّتِي قُبِّلَتْ بِهَا هذِهِ المَرْأَةُ. لَقَدْ كُنْتُ أَعِيشُ فِي رُكْنٍ بَالٍ مِنْ قَصِيدَةٍ رَعَوِيَّةٍ رُومَانْسِيَّةٍ، حَيْثُ الْوَاحِدُ هُوَ الْبَطَلُ الَّذِي عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِلْمُعَانَاةِ مِنْ أَجْلِ مُعْتَقَدَاتِهِ. لَقَدْ كُنْتُ الصَّدِيقَةَ، وَعِشْتُ عَلَى الْفَخْرِ، لَا الْحُبِّ.
رَبَطَتْ جَارَتِي قُبَّعَتَهَا الْقَصِيرَةَ لِلشَّعْرِ، وَتَهَيَّأَتْ مِنْ أَجْلِ الْعَرَبَةِ الطَّوِيلَةِ، بَيْنَمَا انْقُدْنَا عَلَى الطَّرِيقِ الرَّئِيسِ عَلَى طُولِ النَّهْرِ، مُتَّجِهِينَ إِلَى الْجَنُوبِ. قَالَتِ بِرِضًا مُخْتَرِقٍ، ذَاكَ الرِّضَا الَّذِي يُبْدِي سُوءَ الْفَهْمِ: "كُنَّا مُتَزَوِّجَيْنَ مُنْذُ خَمْسِ سَنَوَاتٍ وَكُنَّا سَعِيدَيْنِ. أُوهْ"، وَسَمَحَتْ لِتَنْهِيدَةٍ عَمِيقَةٍ كَمَا لَوْ أَنَّهَا اسْتَخْرِجَتْ حَقَائِقَهَا مِنَ السَّخَاءِ، وَالْأَرْضِ الضَّخْمَةِ: "أُوهْ، أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرْوِيَ لَكِ قِصَصًا". وَوَضَعَتْ ذِرَاعَيْهَا حَوْلَ حَقِيبَتِهَا بِشَكْلٍ مُرِيحٍ، وَحَدَّقَتْ لَحْظَةً، وَقَدْ بَدَتْ مَلَامِحُهَا أَكْثَرَ جِدِّيَّةً، ثُمَّ أَغْلَقَتْ عَيْنَيْهَا وَخَلَدَتْ إِلَى النَّوْمِ
نَظَرْتُ إِلَى خَارِجِ النَّافِذَةِ المُغَبَّشَةِ بِزَفِيرِ أَنْفِي المَضْغُوطِ عَلَيْهَا، فِي مَوْقِفٍ الْحَافَلَةِ، لِرُؤْيَةِ وَجْهِ الْحُبِّ الْحَقِيقِيِّ يَكْشِفُ عَنْ نَفْسِهِ. خَارِجَ الْحَافِلَةِ، وَبَدَلًا مِنْ أَنْ تُصْبِحَ السَّمَاءُ أَكْثَرَ شُحُوبًا مَعَ الْفَجْرِ، بَدَتْ خَارِجَ خَطٍّ أَسْوَدَ عَلَى طُولِ نَهْرِ المِيسِيسِيبِّي كَشُعْلَةٍ حَمْرَاءَ مُلْفِتَةٍ. كَانَ جَمِيلًا جِدًّا. إِنَّ التَّحْذِيرَ الْقَدِيمَ- سَمَاءٌ حَمْرَاءُ فِي الصَّبَاحِ، يُعْطِي الْبِحَارَ إِنْذَارًا- عَبْرَ رَأْسِي كَسَهْمٍ، وَسَقَطَ بَعِيدًا. تَذَكَّرْ هذَا، أَتَذَكَّرُ أَنْ أُخْبِرَ نَفْسِي، وَأُعَلِّقُ عَلَى هذَا. إِنَّنِي أَشْعُرُ أَنَّهَا تَنْزَلِقُ كُلُّهَا بَعِيدًا، مَهْمَا كَانَ اقْتِرَانُ الْجَمَالِ وَالَّلا احْتِمَالِ الَّذِي زَلَلْتُ عَلَيْهِ.
إِنَّهُ مِنَ الصَّعْبِ وَصْفُ مَحْوِ الْحَلَاوَةِ المُرَّةِ لِتِلْكَ اللَّحْظَةِ. هذَا هُوَ السَّبَبُ، بِلَا شَكٍّ، أَنَّهُ كَانَ لَا بُدَّ مِنَ التَّذَكُّرِ. تَصَاعَدَتْ- تَذَكَّرْ!- مِثْلَ حَيَّةٍ خَارِجَةٍ مِنْ سَلَّةٍ، وَجَذْبٌ سِحْرِيُّ في صَوْتِهَا، مُضَاعَفٌ لِلْـ م-ري ميميميميم- وَتُنَصِّبُ دَنْدَنَةً مُنْخَفِضَةً بِدَائِيَّةً، كَمَا لَوْ كَانَتْ صَوْتَ مُحِبٍّ، يَتَحَدَّثُ إِلَى أُذُنِي وَحْدَهُ وَبِسِرِّيَّةٍ.
سَوَاءٌ كَانَ وَجْهُ الْحُبِّ غَيْرِ المَصُونِ، أَوِ الْجُرْحُ الْأَحْمَرُ الْبَلِيغُ أَسْفَلَ مُنْتَصَفِ الْبَلْدَةِ المُتَحَارِبَةِ الَّتِي سَافَرْتُ عَبْرَهَا، أَوْ وَعْدُ المَرْأَةِ المُزَارِعَةِ المُتْعَبَةِ مِنَ الْحِكَايَاتِ غَيْرِ المَرْوِيَّةِ الَّتِي سَحَرَتْنِي، لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ. فَوْقَ كُلِّ هذَا يَرْتَفِعُ وَيَبْقَى، فَقَطْ إِيعَازُ التَّذَكُّرِ. هذَا الْأَمْرُ المُسْتَحِيلُ كَثِيرًا مَا طَرَحْنَاهُ عَلَى أَنْفُسِنَا، إِنَّهُ يَدَّعِي عَلَيَّ، ثُمَّ يَخْتَفِي مُنْحَرِفًا، مُخَلِّفًا نَسِيجًا حَرِيرِيًّا مُخَادِعًا لِلْمَعْنَى، مِنْ دُونِ أَنْ يُعْطِيَ قِصَّةً، وَرَافِضًا تَرْكِي بِسَلَامٍ.
لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ "لَدَيْهِ" مُذَكَّرَاتٌ، فَإِنَّ لَدَيْنَا جَمِيعًا حِصَّةً فِي مِثْلِ هذِهِ الْقِصَصِ قَدْ قِيلَتْ، وَلِأَنَّنَا بِبِسَاطَةٍ بَعْدَ كُلِّ هذَا لَا نَمْلِكُ الْخِبْرَةَ؛ نَحْنُ نَثِقُ بِهَا. يَجِبُ أَنْ نَفْعَلَ شَيْئًا مَا- نَصْنَعَ شَيْئًا مَا- مَعَهَا. قِصَّةٌ، نَشْعُرُ بِهَا أَنَّهَا السَّكَنُ الْوَحِيْدُ المُمْكِنُ فَقَطْ لِعِبْءِ مَا شَاهَدْنَاهُ.
إِنَّ صِيغَةَ الْإِثَارَةِ لِمُرَافِقَتِي فِي حَافِلَةِ جْرِيهُونْدْ- أُوهْ، أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرْوِيَ لَكِ قِصًصًا- هُوَ السَّطْرُ الْافْتِتَاحِيُّ لِكَاتِبِ المُذَكَّرَاتِ، لكِنَّهَا فِي الْوَاقِعِ، لَا تَمْلِكُ أَيَّ وَعْدٍ لَذِيذٍ لِرِوَايَةِ قِصَّةٍ تَبْدَأُ بِـ"كَانَ يَا مَا كَانَ...". إِنَّهَا جُمْلَةٌ عَنِيدَةٌ. المَرْأَةُ فِي الْحَافِلَةِ لَمْ تُخْبِرْنِي شَيْئًا- خَلَدَتْ إِلَى نَوْمِهَا وَهَرَبَتْ إِلَى أَحْلَامِهَا. لَا شَيْءَ لِجُمْلَةِ الافْتِتَاحِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الصَّغِيرَةَ لَمْ تَفْتَتِحْ شَيْئًا، وَلَمْ تَقُدْ إِلَى شَيْءٍ بَعْدَ نُقْطَةٍ نُقْطَةٍ نُقْطَةٍ لِتَوَقُّعَاتِنَا. مَهْمَا تَكُنِ التَّجْرِبَةُ مُتَشَابِكَةَ الأَكَاذِيبِ ضِمْنَ وَعْدِهَا المُغْرِي، فَإِنَّهَا تَبْقَى مُتَكَوِّرَةً إِلَى الْأَبَدِ عَالِيًا، فِي اسْتِحَالَةٍ كَبِيرَةٍ لِقَوْلِ كُلِّ الْـ- حَقِيقَةِ- لِلْحَيَاةِ، أَيِّ حَيَاةٍ.
كُتَّابُ المُذَكَّرَاتِ، خِلًافًا لِكُتَّابِ الْخَيَالِ، لَا يُرِيدُونَ حَقًّا أَنْ "يَرْوُوا قِصَّةً". إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَرْوُوا كُلَّ- الْكُلِّ مِنَ التَّجْرِبَةِ الشَّخْصِيَّةِ، مِنْ وَعْيِ نَفْسِهَا. إِنَّهَا لَا تَتَضَمَّنُ قِصَّةً فَقَط، لكِنَّ الْكَوْنَ المُتَّسِعَ بِأَكْمَلِهِ مِنَ الْإِحْسَاسِ وَالْفِكْرِ الَّذِي يَتَدَفَّقُ أَبْعَدَ مِنْ حُدُودِ السَّرْدِ، وَتُثْبِتُ أَنَّ كُلَّ حَيَاةٍ، لَيْسَتْ فَقَطْ سَطْرًا فِي قِصَّةٍ مُنْعَزِلَةٍ، لكِنَّهَا قِطْعَةٌ صَغِيرَةٌ مِنَ الْكَوْنِ، تَجْرِي وَتُسْرِعُ دَاخِلَ نَسَقٍ غَيْرِ قَابِلٍ لِلْإِدْرَاكِ مِنَ الْوُجُودِ. كَاتِبُو المُذَكَّرَاتِ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يُخْبِرُوا أَفْكَارَهُمْ، لَا قِصَّتَهُمْ.
إِنَّ الْأَسَى الضِّمْنِيَّ فِي هذَا الْفِعْلِ المَشْرُوطِ- يُمْكِنُ أَنْ أَقُولَ- يَحْمِلُ رَغْبَةً عَارِمَةً أَكْثَرَ بِدَائِيَّةً، مِنَ الْحَكَوَاتِي الَّذِي يَبْحَثُ عَنِ الْجُمْهُورِ. إِنَّهَا تَخُونُ لَيْسَ فَقَطْ وَحْدَةَ أَحَدِهِمْ الَّذِي سَيَسْتَمِعُ، لكِنَّهُ الْيَأْسُ مِنَ اللُّغَةِ نَفْسِهَا، وَالْإِدْرَاكُ الْحَزِينُ لِمَحْدُودَاتِهَا. كَمْ مِنَ الحَقِيقَةِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْمِلَ الْفَاعِلُ- الْفِعْلُ- المَفْعُولَ بِهِ عَلَى الْأَكْتَافِ الْوَاهِيَةِ لِلْجُمْلَةِ؟ إِنَّ التَّنْهِيدَةَ فِي الجُمْلَةِ تُشْبِهُ هذَا أَكْثَرَ: يُمْكِنُنِي أَنْ أَرْوِي لَكَ قِصَصًا- إِذَا مَا اسْتَطَاعَتِ الْقِصَصُ أَنْ تَرْوِي مَا بِدَاخِلِي مَا أُرِيدُ أَنْ أَرْوِيهِ.
لِهذَا السَّبَبِ، كِتَابَةُ السِّيرَةِ الذَّاتِيَّةِ تُفْتِنُ. إِنَّهَا مُصْطَادَةٌ فِي نَفْسٍ يَجِبُ أَنْ تُصْبِحَ عَالَـمًا- وَلَيْسَ، عُذْرًا، عَالَـمًا نَرْجِسِيًّا. إِنَّ المُذَكَّرَاتِ اعْتُبِرَتْ مَرَّةً شَكْلًا أَدَبِيًّا هَامِشِيًّا، وَقَدْ بَرَزَتْ فِي الْعِقْدِ المَاضِي كَنَوْعٍ مِنَ التَّوْقِيعِ لِلْعُمْرِ. "انْتِصَارُ المُذَكَّرَاتِ هِيَ الْآنَ حَقِيقَةٌ رَاسِخَةٌ"، هكَذَا صَرَّحَ جِيمْسْ أَطْلَسْ عَلَى غِلاَفِ قِصَّةِ "عَهْدُ المُذَكَّرَات الْأَدَبِيَّةِ" فِي مَجَلَّةِ نْيُويُورِك تَايْمْزْ مُدَّعِيًا أَنَّهَا "خَيَالٌ"، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مُجَرَّدَ إِيصَالِ الْأَخْبَارِ".
بِـ"انْتِصَارِ"هَا، لَا تُنْكِرُ المُذَكَّرَاتُ الْحَقِيقَةَ وَضَرُورَةَ الْخَيَالِ بِالطَّبْعِ. وَفِي الْوَاقِعِ، فَإِنَّهَا تَنْحَنِي بِشِدَّةٍ عَلَى الافْتِرَاضَاتِ الرِّوَائِيَّةِ. لكِنَّ المُذَكَّرَاتِ المُعَاصِرَةَ أَعَادَتْ تَشْكِيلَ أَسْبَقِيَّةِ صَوْتِ أَوَّلِ شَخْصٍ فِي الْكِتَابَةِ الْأَمِيرْكِيَّةِ التَّخَيُّلِيَّةِ، وَالَّتِي أُنْشِئَتْ بِوَسَاطَةِ "أُغْنِيَةُ نَفْسِي" لِـ وِيْتمَان. رُبَّمَا حُبُّ الْقَارِئِ لِلْمُذَكَّرَاتِ أَقَلُّ رَغْبَةً تَدَخُّلِيَّةً لِلاعْتِرَافِ مِنْهُ إِلَى الْاشْتِيَاقِ لِلْمَوَدَّةِ فِي صَوْتِ الشَّخْصِ الْأَوَّلِ، وَالشُّعُورِ الْعَمِيقِ المُرْضِي لِكَوْنِهِ قَدْ تَحَدَّثَ بِخُصُوصِيَّةٍ. إِنَّا بِأَكْثَرَ مِنْ قِصَّةٍ، نُرِيدُ صَوْتًا يَتَحَدَّثُ بِنُعُومَةٍ، وَعَلَى وَجْهِ السُّرْعَةِ، فِي أُذُنِنَا، وَالمَقْصُودُ أَنْ يُخَاطِبَ قَلْبَنَا. ذلِكَ الصَّوْتُ يَحْمِلُ أَمْرًا مُتَصَلِّبًا، تِلْكَ الدَّنْدَنَةَ الْعَتِيقَةَ، وَالَّتِي تَسْتَنْجِدُ بِي فِي وَسَطِ الْبَلَدِ فِي خِضَمِّ حَرْبٍ- تَذَكَّرْ، تَذَكَّرْ (أَنَا أَتَحَدَّاكَ، أَنَا أُغْوِيكَ).
أَنْظُرُ خَارِجَ نَافِذَةِ حَافِلَةِ جْرِيهُونْدْ حَيْثُ الصَّبَاحُ الْأَحْمَرُ مُنْذُ سَنَوَاتٍ، وَأَرَى وَجْهَ الْحُبِّ غَيْرَ المُحْتَمَلِ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ حَيْرَةِ مَلَامِحِ المَحْبُوبَةِ الْخَفِيَّةِ عِنْدَمَا جَلَسَتْ إِلَى جَانِبِي. إِنَّنِي أُفَكِّرُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُفْهَمَ، وَعَلَى الرَّغْمَ مِنْ أَنَّهُ هُوَ كَانَ الْجَمَالَ، فَإِنَّهَا كَانَتِ الْوَاحِدَةَ الَّتِي عَادَتْ. كَمْ أَصْبَحَتْ ضَفَائِرُهُ الذَّهَبِيَّةُ بَاهِتَةً (هُوَ كَذلِكَ امْتَلَكَ ابْتِسَامَةً مُعْوَجَّةً وَسَاحِرَةً، لكِنْ فَقَطْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَذَكَّرَ فِكْرَتَهَا- الصُّورَةَ ذَهَبَتْ). إِنَّهَا هِيَ، بَدِينَةٌ وَغَيْرُ جَمِيلَةٍ، تَرْتَدِي فُسْتَانَهَا الْبَيْتِيَّ المُوَرَّدَ الْقُطْنِيَّ مَعْ سَحَّابٍ أَسْفَلَ الْوَسَطِ، وَالَّذِي حَصَلَ عَلَى إِقَامَةٍ مَعْ عَيْنَيهَا المُعَلَّبَتَينِ وَمُوَافَقَتِهَا لِلْعِشْقِ. لِأَنْ تُحِبَّ شَخْصًا مِثْلَ هذَا، حُبًّا غَيْرَ مُحْتَمَلٍ: بِالطَّبْعِ، لَدَيْهَا قِصَصٌ لِتُرْوَى. أَخَذَتْهَا بِالتَّأْكِيدِ بِطَرِيقَةٍ لَا اعْتِذَارَ فِيهَا، مِثْلَ الَّذِينَ يُولَدُونَ لِلثَّرْوَةِ. خُذِ المَالَ وَاجْرِ.
لكِنْ تِلْكَ اللَّحْظَةَ قَبْلَ أَنْ تَخْلُدَ إِلَى النَّومِ، عِنْدَمَا نَظَرَتْ جِدِّيًّا، ارْتَفَعَ الصَّبَاحُ الْأَحْمَرُ فَوْقَ نَهْرِ الْمِسِيسِبِّي، وَكَانَتْ لَحْظَةُ غُرُوبٍ. بِوُسْعِي أَنْ أَرْوِي لَكُمْ قِصًصًا- لكِنَّهَا لَمْ تَسْتَطِعْ. الَّذِي أَرَادَتْ أَنْ تَرْوِيَهُ كَانَ كَبِيرًا جِدًّا، وَكَثِيرًا جِدًّا، هذَا الشّيْءُ الْكَثِيرُ لِأَنْ تَضَعَهُ فِي مَزَارٍ صَغِيرٍ يُسَمَّى الْقِصَّةَ.
عِنْدَمَا الْتَقَيْنَا- إِذَا الَّذِي حَصَلَ بَيْنَنَا كَانَ لِقَاءً- شَعَرْتُ أَنَّ شَيْئًا لَمْ يَحْدُثْ لِي عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا شَيْءَ سَوْفَ يَحْدُثُ. لَمْ أَسْتَطِعْ فَهْمَ رُكُوبِ حَافِلَةِ جْرِيهُونْدْ الْقَذِرَةِ هذِهِ، أَسْفَلَ مُنْتَصَفِ أَمَرِيكَا المُخَضَّبَةِ بِالدِّمَاءِ، فِي مُنْتَصَفِ حَرْبِ التَّمَرُّدِ هِيَ نَفْسُهَا قِصَّةٌ، وَهذَا شَيْءٌ كَانَ يَحْدُثُ لِي. اعْتَقَدْتُ أَنَّهُ إِذَا حَدَثَ شَيْءٌ لِأَحَدِهِمْ مِنْ حَوْلِي، كَانَ يَحْدُثُ لِأَشْخَاصٍ مِثْلَ صَدِيقِي: إِنَّهُم أَبْطَالٌ، وِفْقًا لِذلِكَ وَلِلْأَضْوَاءِ الَّتِي تَأَلَّقَتْ فَوْقِي بَعْدَ ذلِكَ. كُنْتُ مُجَرَّدَ مُمْتَطِيَةٍ رَصَاصَةً فِي حَيَاتِي. لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَخَيَّلَ أَنْ يَكُونَ لَدَيَّ احْتِوَاءٌ مُتَخَيَّلٌ، كَمَا سَقَطَتْ فَجْأَةً المَرْأَةُ المُزَارِعَةُ بِجِانِبِي، إِنَّ المُجَرَّدَ حَجْمُ السَّرْدِ لِتَقُولَ: "يُمْكِنُنِي أَنْ أَرْوِيَ لَكِ قِصَصًا"، وَبَعْدَ ذلِكَ تَنْجَرِفُ مَعْ ثِقَلِ السِّرِّيَّةِ لِلتَّجْرِبَةِ نَحْوَ الصَّمْتِ، حَيْثُ قِصَصٌ تَعِيشُ حَيَوَاتِهِمُ الْحَقِيقِيَّةَ، وَانْهِيَارًا نَحْوَ خَسَارَةٍ نُسَمِّيهَا ذِكْرَى.
إِنَّ الْإِعْلَانَ الصَّغِيرَ المُتَبَجِّحَ، وَالمَشْرُوطَ بِشَكْلٍ مُثِيرٍ لِلشَّفَقَةِ، (لَيْسَ "سَأَرْوِي لَكِ قِصَّةً" لكِنْ "أَسْتَطِيعُ") رَفْرَفَ كَئِيبًا بَيْنَنَا لِلَحْظَةٍ. إِنَّ مُلَاحَظَةَ الْغَرِيبِ، أُطْلِقَتْ فِي ظَلَامِ حَافِلَةِ جْرِيهُونْدْ، وَانْتَشَرَتْ عَبْرَ التَّضَارِيسِ الْبَشَرِيَّةِ، مِثْلَ نَغَمَةٍ بَطِيئَةٍ لِضَرْبَةِ جَرَسٍ لِكَنِيسَةِ الْقَرْيَةِ، وَشَارَكَتْ كُلَّ الصَّمْتِ الَّذِي كَانَ، بَيْنَمَا أَدَرْتُ وَجْهِيَ نَحْوَ النَّافِذَةِ، حَيْثُ الْعَالَمُ كَانَ مُسْرِعًا بِمُحَاذَاةِ النَّهْرِ الْبَطِيءِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كَاتِبَةُ مُذَكَّرَاتٍ وَشَاعِرَةٌ مِنَ الْوِلاَيَاتِ المُتَّحِدَةِ. أُسْتَاذَةُ اللُّغَةِ الْإِنْكِلِيزِيَّةِ فِي بَرْنَامَجِ مَاجِسْتِيرِ الْفُنُونِ الْجَمِيلَةِ فِي جَامِعَةِ مِينِّيِسُوتَا. نَشَرَتْ كِتَابَيْ مُذَكَّرَاتٍ، وَكِتَابَيْ شِعْرٍ، وَعِدَّةَ مُجَلَّدَاتٍ غَيْرَ خَيَالِيَّةٍ، بِمَا فِيهَا "ابْنَةُ بَائِعَةِ الزُّهُورِ وَالْأَرَابِيسْكِ الْأَزْرَقِ". ظَهَرَ عَمَلُهَا فِي:The New Yorker, Paris Review, New York Times Book Review, Ploughshares, Antaeus, Granta, American Poetry Review, Iowa Review, Ironwood, Ms., Best American Short Stories, Best American Essays, Los Angeles Times, The Sophisticated Traveller, and Kenyon Review.
تَلَقَّتْ زَمَالاَتٍ دِرَاسِيَّةً مِنْ مُؤَسَّسَةِ غُوغِنْهَايْمْ، وَمُؤَسَّسَةِ بُوشْ، وَالْمِنْحَةَ الْوَطَنِيَّةَ لِلْفُنُونِ مَرَّتَيْنِ، فُولْبْرَايْتْ، وَزَمَالَةَ مَاكْ آرْثُرْ. حَصَلَتْ عَلَى جَائِزَةِ بُوشْ كَارْتْ فِي الْكِتَابَةِ الْخَيَالِيَّةِ، وَلَهَا أَرْبَعَةٌ كُتُبٍ وَرَدَتْ أَسْمَاؤُهَا فِي الْكُتُبِ الْبَارِزَةِ فِي السَّنَةِ مِنْ قِبَلِ صَحِيفَةِ نْيُويُورُكْ تَايْمْزْ.
حلمي الريشة:
* شاعر وكاتب ومترجم
| |
|
سى فورس
عدد المساهمات : 21 التقيم : 0 تاريخ التسجيل : 08/08/2010
| موضوع: رد: سَمَاءٌ حَمْرَاءُ فِي الصَّبَاحِ/ بَاتْرِيشْيَا هَامْبِلْ (الولايات المتحدة) تـ: حِلْمِي الريشة الجمعة أغسطس 13, 2010 10:48 pm | |
| | |
|