على شاطئ النهر
هتف ذات يوم من أعماقي مناد يدعوني لفسحة على شاطئ النهر فاستجبت دون تردد .
كنت في أمس الحاجة لحركة تخفف من ضغوط وأتعاب عملي .
بمجرد وصولي إلى المكان المفضل أطلقت ساقي للريح المعطرة بروائح الزهور المطلة على احتشام خلف أوراق الأفنان المجاورة للنهر .
أقلد صغير الطير فأرفع جوانحي وكأني في مرحلة تعلم الانطلاق للتحليق في الفضاء .
أستحث جسمي وكل حاسة لي لعب المزيد من عذوبة النسيم
العليل .
نسيم منعش ومنظر خلاب ممتع .
الوقت أصيل .
وشمسه وديعة مودعة تخطو ببطء على رصيف الغروب .
أسدلت أردية شعاعها فشكلت على وجه النهر لوحة فنية
تسيجها ألوان الطيف الخلابة .
وكأن الماء مزهو بزواره فألقى رواسيه محتفيا بضيوفه .
فتراه هادئا على غير عادته مطأطئا يحتفي بالخيوط الذهبية
الوافدة عليه .
من غبطته تخلى عن ردائه واستعار الخمار الفضي المزركش من
أديم السماء .
سحرني المنظر الخلاب الرائع .
خشيت افلاته من يدي بمرور لحظاته وثوانيه .
فحاولت التقاطه وتخزينه بذاكرتي .
واستزدت جهد الإمكان من استنشاق العطر المتميز بقوة وعمق .
وركزت على الإصغاء بتمعن إلى التناغم والانسجام التلقائي
بين مختلف مكونات هذا المشهدالطبيعي الفريد .
مشهد يضفي على النفس هالة الهدوء والراحة والاطمئنان
والإعجاب .
كما يلقن المشاهد قيم الإبداع الفني الراقي المتقن .
ويحكي بحركته دورة الحياة ومسارها وناموسها .
فلا الماء هادئ ساكن كما يبدو في أعماقه ولا الشمس ثابتة
مستقرة في أعاليها ولا مكونات المنظر جامدة
متحجرة بأماكنها .
" وكل في فلك يسبحون "
وهل أستطيع بدوري تخطي النواميس والاستغناء عن حركة
المعيشة وتدرج الأطوار وتزحلق العمر نحو قعر الاستقرار ؟
تلك إذن هي وحدة الخالق المدبر وعظمته تتراءى جلية في
وحدة خلقه .
وتتجلى في بديع أنظمة كل الأكوان وكافة مكوناتها ومساراتها ومآلاتها ومصائرها .