العلاجات الطبيعية لقرحة المعدة
تبدأ القصة بإحساس بحرقة في المنطقة الواقعة بين عظمة الصدر والسرة, وبألم في المعدة غالباً ما يشتد ليلاً. وقد يصاحب ذلك غثيان، تقيؤ، تجشؤ، نفخة، عسر هضم، ضعف الشهية ووجود دم في البراز. إنها القرحة, المرض الذي ينغص حياة الملايين.
«إنه أساساً ثقب في جدار المعدة الداخلي»، هكذا، وباختـــــــصار، يعرّف المتخصــص الأميركي الدكتور بايرون كراير، قرحة المعدة. وبالفعل، فإن قرحة المعدة هي عبارة عن تقرحات مؤلمة متفاوتة الحجم على مناطق في جدران المعدة الداخلية، فقدت الغشاء المخاطي الواقي لها، فأصبحت نهايات الأعصاب فيها مكشوفة ومعرضة لأحماض المعدة والبيبسن ( الأنزيم الذي يساعد على التحلل الكيميائي لبروتينات الطعام). وكان العلماء حتى أواخر الثمانينات، يشيرون بإصبع الاتهام إلى الأطعمة الغنية بالبهارات وإلى التوتر، على أساس أنها المسؤولة الأولى عن الإصابة بالقرحة. غير أنهم ما لبثوا أن اكتشفوا أن المتهم الحقيقي في 80 % من حالات الإصابة بقرحة المعدة هي جرثومة يطلق عليها اسم H.pylori. فدخول هذه الجرثومة إلى المعدة يؤدي إلى التهابات تزيد من احتمال الإصابة بالقرحة. ولكن، ما إن نقضي على هذه الجراثيم، بواسطة المضادات الحيوية، حتى تختفي الالتهابات وتتراجع معها إمكانية الإصابة بالقرحة. أما الحالات الأخرى للقرحة، فتنتج عن تناول مسكنات الألم، ومضادات الالتهاب، مثل الأسبيرين والبروفين. فهذه العقاقير تكبح إفراز المادة المخاطية والبروستاغلاندينز، التي تتولى حماية جدران المعدة. ويقول المتخصص الأميركي الدكتور بول ميسكوفيتش، إن خطر الإصابة بقرحة المعدة يبلغ ذروته في الأشهر الثلاثة الأولى لتناول مسكنات الألم ومضادات الالتهابات هذه. ويتم عادة علاج هذه النوع من القرحة عن طريق تبديل نوعية هذه العقاقير.
ويؤكد المتخصصون أن العلاجات الطبيعية، التي يمكن اللجوء إليها تساعد على تعزيز فاعلية العلاج بالمضادات الحيوية، وتسرع عملية الشفاء، وتسهم في الوقاية من الإصابة بالقرحة. وهم يقدمون النصائح الطبيعية التالية:
1 الاستعانة بالأعشاب
تبين في العديد من الدراسات أن عرق السوس يتمتع بفاعلية كبيرة في مكافحة مرض القرحة. ويقول الدكتور نيل مينوشا، مدير مركز أمراض الجهاز الهضمي في جامعة ميسيسيبي الأميركية، إن عرق السوس يتمتع بخصائص مضادة للالتهابات، إضافة إلى خصائصه المضادة للجراثيم. وأفضل أنواعه ذلك الذي يحمل اسم: deglycyrrhizinated licorice) DGL)، الذي أزيل منه أحد الأحماض الذي يسبب ارتفاع ضغط الدم. وهو متوافر على شكل أقراص. وتنصح المتخصصة الأميركية في العلاجات الطبيعية مرسيدس وليامس، بتناول قرص يحتوي على 380 ملغ منه قبل الإفطار، وقرص آخر قبل العشاء.
ومن المفيد أيضاً تناول مغلى جذور عرق السوس. ويمكن تحضيره عن طريق غلي 50 غراماً من عرق السوس في ليتر من الماء مدة 10 دقائق، ثم تترك منقوعة لمدة 5 ساعات. يمكن احتساء 3 أكواب من هذا المغلى في اليوم، لمدة 3 أسابيع. ويمكن تجديد هذا العلاج بعد مرور 10 أيام. لكن يتوجب على كل من يعاني ارتفاع ضغط الدم الامتناع عن تناول هذا المغلى.
وتنفع عشبة الدردار (slippery elm) أيضاً في تغليف وحماية الجدران الداخلية للأمعاء، ما يعزز صحة الجهاز الهضمي بأكمله. وتنصح وليامس بتحضير هذه الوصفة البسيطة المضادة للقرحة: يوضع مقدار ملعقتي طعام من مسحوق لحاء الدردار في وعاء ويضاف إليه القليل من الماء حتى يتحول إلى ما يشبه العجينة الطرية، تمزج جيداً، ويضاف إليها القليل من العسل، ويتم تناولها بمعدل مرتين أو ثلاث مرات، بين الوجبات.
2 مكافحة الجراثيم المضرة
بالجراثيم الحميدة
أفادت الأبحاث أن الجراثيم الحميدة، البروبايوتيكس (Probiotics) يمكن أن تخفف من الآثار الجانبية، التي يخلفها استخدام المضادات الحيوية للقضاء على جرثومة H.pylori. وتتوافر البروبايوتيكس في بعض أنواع اللبن، غير أن مينوشا يقول إننا نحتاج إلى 10 مليارات جرثومة حية على الأقل في الحصة الواحدة، لذلك يستحسن تناول هذه الجراثيم الحميدة على شكل أقراص. وينصح المتخصص الأميركي في العلاج بالأعشاب اندروجاديرت بالتعويض عن الجراثيم الحميدة، التي تموت بفعل المضادات الحيوية عن طريق تناول البروبايوتيكس بعد الانتهاء من تناول المضادات الحيوية، وذلك لمدة يومين على الأقل مقابل كل يوم من تناول هذه الأخيرة.
3 تجنب الأطعمة التي تسبب التحسس
تقول وليامس إن عدم تحمل طعام ما، أو الحساسية تجاهه تسهم في الإصابة بالقرحة، خاصة لدى الأشخاص الذين توجد لديهم جرثومة H.pylori أو الذين يتناولون عقاقير مضادة للالتهابات. وتقول إننا عندما نتناول طعاماً يسبب لنا بشكل خاص، التهابات، فإن ذلك يؤدي إلى بعض الحت في غلاف المعدة الداخلي، ما يزيد تعرضها وانكشافها. وأكثر الأطعمة المسببة للتهيجات هي: الحليب ومشتقاته، القمح، الفراولة، الحمضيات، المكسرات، المحار، والصويا، الأطعمة الغنية بالبهارات، المشروبات المثلجة، الشوكولاتة، القهوة، والأطعمة الغنية بالأحماض.
وتلجأ وليامس إلى طريقتين للتعرف إلى الأطعمة التي قد تسبب التحسس: الأولى هي طريقة فحص الدم، والثانية هي طريقة الحذف التي يتم فيها تحديد جميع الأطعمة التي يشتبه في كونها مسؤولة عن التحسس، وحذفها من النظام الغذائي لفترة قصيرة. ثم يتم كل ثلاثة أيام إعادة إدخال واحد منها إلى الوجبات. فإذا لم يشعر الفرد بأي عوارض سلبية، يشطب هذا الطعام عن لائحة الأطعمة المسببة للتحسس. ثم ينتقل إلى إعادة إدخال طعام آخر إلى النظام الغذائي، وهكذا دواليك حتى يتعرف إلى الطعام الذي يسبب المشكلة. والواقع أن المتخصصين يؤكدون ضرورة تفادي تناول الكثير من السكر والدهون، بغض النظر عن كونها تسبب التحسس أم لا، فهي تسهم في زيادة إفراز الأحماض. وهم ينصحون أيضاً بتفادي كل الأطعمة المحضرة من الدقيق الأبيض، إضافة إلى الطماطم النيئة والأناناس.
وهناك عدداً من الأدلة يشير إلى أن إضافة الفواكه والخضار والحبوب الكاملة إلى النظام الغذائي تحمي من القرحة. ويعزو البحاثة ذلك إلى الدور الذي تلعبه الألياف الغذائية الموجودة بوفرة في هذه المحاصيل الطبيعية. فالألياف تسهم في إبطاء حركة الطعام وإفراز الأحماض في المعدة، وهي تساعد على شفاء الحرقة، لأنها تخفف من كمية الأحماض.
4 تناول المكملات الغذائية
التزود بالفيتامينات والأملاح المعدنية الضرورية يسهم في الوقاية من القرحة. فقد تبين مثلاً أن فيتامين A يساعد على تقوية جدار المعدة الداخلي. (ولكن يتوجب على الحوامل الامتناع عن تناول أكثر من 10 آلاف وحدة دولية من هذا الفيتامين من المصادر الغذائية والأقراص معاً). وينصح المتخصص الأميركي البروفيسور روبرت باستور بتناول أقراص الزنك كارنوزين، التي تستخدم منذ سنوات في اليابان لعلاج القرحة. وهناك أدلة علمية تؤكد فاعلية هذه الأقراص التي تجمع بين الزنك والحمض الأميني L-carnosine ، الذي يساعد على الوقاية من القرحة الناتجة عن التوتر والضغط النفسي. وهو ينصح بتناول قرص واحد ما بين 3 و4 مرات يومياً بعد الوجبات. ومن المفيد التركيز على تناول الأطعمة الغنية بالزنك، مثل: الأسماك، المكسرات، البذور (الكتان، دوار الشمس، اليقطين والسمسم). والمعروف أن الزنك يساعد على تعزيز عملية شفاء جميع أنسجة الجسم.
إلى جانب هذه الأقراص تنصح وليامس، من جهتها، بتناول فيتامين C ، الذي يكافح جرثومة H.pylori، ويقوي الجهاز المناعي. ولعلاج القرحة يمكن تناول ما بين 2 و3 غرامات من هذا الفيتامين، مقسمة على جرعتين أو ثلاث جرعات يومياً. أما إذا أدى ذلك إلى الإسهال فيجب التوقف عن تناوله.
ويجمع باستور ووليامس على القول إن الحمض الأميني L- glutamine هو واحد من أفضل المكملات الغذائية التي يمكن تناولها لصحة المعدة. فهو المصدر الأول للوقود الذي تحتاج إليه الخلايا التي تغلف جدران المعدة والأمعاء، وهو يساعد على شفائها. وينصح بتناول ما بين 6 و12 غراماً منه يومياً لمدة تتراوح ما بين 4 و6 أشهر.
ومن جهتها تقول المتخصصة الأميركية دايان سموت: إن زيت السمك يساعد على كبح نمو وتكاثر الجرثومة، التي تسبب قرحة المعدة، وإن اتباع أنظمة غذائية غنية بالسمك (تناول السمك بمعدل 3 مرات في الأسبوع على الأقل) يساعد على تفادي تكرار الإصابة بالقرحة. ويمكن لمن لا يستسيغ طعم السمك أن يتناول أقراص زيت السمك يومياً.
5 احتساء عصير الملفوف والصبار
صحيح أن طعم عصير الملفوف ليس لذيذاً، لكن وليامس تقول إنه مفيد لجدران المعدة فهو غني بـ L-glutamine, وتنصح بتناول ليتر منه يومياً لمدة تتراوح بين 10 و14 يوماً. وتقول إنه بالإمكان تحليته بإضافة عصير الجزر إليه. ويمكن أيضاً تناول الملفوف نيئاً على شكل سلطة مع الخضار الأخرى. وعند طبخ الملفوف يجب الحفاظ على ماء السلق واستخدامه في إعداد حساء، كما يمكن احتساؤها كما هي عندما تبرد.
وكانت دراسة حديثة أجريت في جامعة جونز هوبكينز، قد أظهرت أن تناول البروكولي مفيد أيضاً لصحة المعدة, فهو يحتوي، مثل الملفوف، على مادة Sulforaphane ، التي تشكل وقاية للمعدة، وتخفف من جراثيم H.pylori، كما تخفف من التهاب غشاء المعدة المخاطي. وجاء في الدراسة أن النظام الغذائي الغني بهذه المادة يساعد على الوقاية من سرطان المعدة أيضاً. كذلك تبين أن احتساء 75 ملل من عصير الصبار المركز قبل ثلث ساعة من تناول الوجبات يساعد على إراحة الجهاز الهضمي.
6 مكافحة التوتر والضغط النفسي
على الرغم من أن القلق والتوتر لا يمكن أن يشكلا السبب الرئيسي للإصابة بالقرحة، إلا أنهما يلعبان دوراً في زيادة إمكانية الإصابة بها، وذلك لأنهما يحفزان الجسم على إفراز كمية أكبر من أحماض المعدة، ويعيقان عملية الشفاء، لأنهما يضعفان أوليات الجسم الدفاعية. وفي الحالات التي يصعب فيها علاج القرحة، يمكن لتقنيات تخفيف التوتر، مثل التأمل والعلاج بالتنويم المغناطيسي، أن تساعد على تسهيل الشفاء. كذلك فإن هذه التقنيات تساعد على التحكم في الألم لدى الأشخاص الذين يعانون قرحة أسهم تناول مضادات الالتهابات في إصابتهم بها. والواقع أن التخفيف من التوتر يسهم على الأقل في الوقاية من الإصابة بقرحة المعدة.
إضافة إلى ذلك، ينصح المتخصصون بمضغ الطعام جيداً، وتناول الوجبات على مهل وفي جو مريح. فعملية الهضم بأكملها تصبح أكثر صعوبة إذا كنا متوترين وعلى عجلة من أمرنا. كذلك يجب تلافي احتساء الكثير من السوائل أثناء تناول الطعام، لأن ذلك يؤدي إلى ترقيق وتخفيف العصارات الهضمية. ويتوجب تلافي الوجبات الكبيرة والدسمة، ذلك أن شفاء قرحة المعدة يصبح أكثر سهولة إذا ما تناولنا كميات صغيرة من الطعام في كل وجبة. وغني عن الذكر أنه يتوجب الامتناع التام عن التدخين، الذي يسهم إلى حد كبير في زيادة خطر الإصابة بالقرحة. كذلك يجب الامتناع عن تناول الطعام في وقت متأخر مساء، لأن ذلك يعرض الجهاز الهضمي للإجهاد، مثله مثل تناول الأطعمة والمشروبات الساخنة جداً، أو البادرة جداً.